فصل: فصل الْفَرْقُ بَيْنَ عِدّةِ الرّجْعِيّةِ وَالْبَائِنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.مَذْهَبُ ابْنِ اللّبّانِ فِي عِدّةِ الْمَبْتُوتَةِ الّتِي مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَالْآيِسَةِ وَالصّغِيرَةِ:

وَالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعْنُ الْمُحَلّلِ وَالْمُحَلّلِ لَه. وَلَعْنُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمَا إمّا خَبَرٌ عَنْ اللّهِ تَعَالَى بِوُقُوعِ لَعْنَتِهِ عَلَيْهِمَا أَوْ دُعَاءٌ عَلَيْهِمَا بِاللّعْنَةِ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَنّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَالْمَقْصُودُ أَنّ إيجَابَ الْقُرُوءِ الثّلَاثِ فِي هَذَا الطّلَاقِ مِنْ تَمَامِ تَأْكِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَى الْأَوّلِ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَذَهَبَ ابْنُ اللّبّانِ الْفَرَضِيّ صَاحِبُ الْإِيجَازِ وَغَيْرِهِ إلَى أَنّ الْمُطَلّقَةَ ثَلَاثًا لَيْسَ عَلَيْهَا غَيْرُ اسْتِبْرَاءٍ بِحَيْضَةِ ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فَقَالَ مَسْأَلَةٌ إذَا طَلّقَ الرّجُلُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بَعْدَ الدّخُولِ فَعِدّتُهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَالَ ابْنُ اللّبّانِ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةِ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَلَمْ يَقِفْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَعَلّقَ تَسْوِيغَهُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ فَقَالَ إنْ كَانَ فِيهِ نِزَاعٌ كَانَ الْقَوْلُ بِأَنّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْمُعْتَقَةِ الْمُخَيّرَةِ إلّا الِاسْتِبْرَاءُ قَوْلًا مُتَوَجّهًا ثُمّ قَالَ وَلَازِمُ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ الْآيِسَةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى عِدّةٍ بَعْدَ الطّلْقَةِ الثّالِثَةِ. قَالَ وَهَذَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ أَبُو الْحُسَيْنِ فَقَالَ مَسْأَلَةٌ إذَا طَلّقَ الرّجُلُ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَكَانَتْ مِمّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرِ أَوْ هَرَمٍ فَعِدّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ خِلَافًا لِابْنِ اللّبّانِ أَنّهُ لَا عِدّةَ عَلَيْهَا دَلِيلُنَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاَللّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللّائِي لَمْ يَحِضْنَ}. قَالَ شَيْخُنَا: وَإِذَا مَضَتْ السّنّةُ بِأَنّ عَلَى هَذِهِ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهَا وَلَوْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا فَكَيْفَ إذَا كَانَ مَعَ السّنّةِ إجْمَاعٌ؟ قَالَ وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: اعْتَدّي قَدْ فَهِمَ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ أَنّهَا تَعْتَدّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَإِنّ الِاسْتِبْرَاءَ قَدْ يُسَمّى.

.عِدّةُ الْفَسْخِ وَالْخُلْعِ:

عِدّةً. قُلْت: كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَنّهُ فَسّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ} بِالسّبَايَا ثُمّ قَالَ أَيْ فَهُنّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدّتُهُنّ فَجَعَلَ الِاسْتِبْرَاءَ عِدّةً. قَالَ فَأَمّا حَدِيث عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدّ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ. فَإِنّ مَذْهَبَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ. قُلْتُ وَمَنْ جَعَلَ أَنّ عِدّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ فَبِطَرِيقِ الْأَوْلَى تَكُونُ عِدّةُ الْفُسُوخِ كُلّهَا عِنْدَهُ حَيْضَةً لِأَنّ الْخُلْعَ الّذِي هُوَ شَقِيقُ الطّلَاقِ وَأَشْبَهُ بِهِ لَا يَجِبُ فِيهِ الِاعْتِدَادُ عِنْدَهُ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَالْفَسْخُ أَوْلَى وَأَحْرَى مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يَجْعَلُ الْخُلْعَ طَلَاقًا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُهُ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِرَضَاعِ وَنَحْوِهِ.
الثّانِي: أَنّ أَبَا ثَوْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ إنّ الزّوْجَ إذَا رَدّ الْعِوَضَ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِرِدّهِ وَرَاجَعَهَا فَلَهُمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْفَسْخِ.
الثّالِثُ أَنّ الْخُلْعَ يُمْكِنُ فِيهِ رُجُوعُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا فِي عِدّتِهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِرَضَاعِ أَوْ عَدَدٍ أَوْ مَحْرَمِيّةٍ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهَا إلَيْهِ فَهَذِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى يَكْفِيهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مُجَرّدَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا كَالْمَسْبِيّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ وَالزّانِيَةِ عَلَى أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا دَلِيلًا وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.

.فصل الْفَرْقُ بَيْنَ عِدّةِ الرّجْعِيّةِ وَالْبَائِنِ:

وَمِمّا يُبَيّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ عِدّةِ الرّجْعِيّةِ وَالْبَائِنِ أَنّ عِدّةَ الرّجْعِيّةِ لِأَجْلِ الزّوْجِ وَلِلْمَرْأَةِ فِيهَا النّفَقَةُ وَالسّكْنَى بِاتّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنّ سُكْنَاهَا هَلْ هِيَ كَسُكْنَى الزّوْجَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَهَا الْمُطَلّقُ حَيْثُ شَاءَ أَمْ يَتَعَيّنُ عَلَيْهَا الْمَنْزِلُ فَلَا تَخْرُجُ وَلَا تُخْرَجُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَهَذَا الثّانِي هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ يَدُلّ الْقُرْآنُ. وَالْأَوّلُ قَوْلُ الشّافِعِيّ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَالصّوَابُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فَإِنّ سُكْنَى الرّجْعِيّةِ مِنْ جِنْسِ سُكْنَى الْمُتَوَفّى عَنْهَا وَلَوْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا أَنّ الْعِدّةَ فِيهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَائِنِ فَإِنّهَا لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا عَلَيْهَا فَالزّوْجُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى.

.هَلْ الرّجْعَةُ حَقّ لِلزّوْجِ؟

وَأَمّا الرّجْعَةُ فَهَلْ هِيَ حَقّ لِلزّوْجِ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِأَنْ يُطَلّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَمْ هِيَ حَقّ لِلّهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا؟ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَتْ رَجْعِيّةً أَمْ هِيَ حَقّ لَهُمَا فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالْخُلْعِ بِلَا عِوَضٍ وَقَعَ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَا رَجْعَةَ فِيهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. فَالْأَوّلُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالثّانِي: مَذْهَبُ الشّافِعِيّ وَالرّوَايَةُ الثّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالثّالِثُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالرّوَايَةُ الثّالِثَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَالصّوَابُ أَنّ الرّجْعَةَ حَقّ لِلّهِ تَعَالَى لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتّفِقَا عَلَى إسْقَاطِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً وَلَوْ رَضِيَتْ الزّوْجَةُ كَمَا أَنّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِفَسْخِ النّكَاحِ بِلَا عِوَضٍ بِالِاتّفَاقِ. فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْخُلْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَهَلْ هَذَا إلّا اتّفَاقٌ مِنْ الزّوْجَيْنِ عَلَى فَسْخِ النّكَاحِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؟ قِيلَ إنّمَا يُجَوّزُ أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ الْخُلْعَ بِلَا عِوَضٍ إذَا كَانَ طَلَاقًا فَأَمّا إذَا كَانَ فَسْخًا فَلَا يَجُوزُ بِالِاتّفَاقِ قَالَهُ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللّهُ. قَالَ وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ أَنْ يَتّفِقَا عَلَى أَنْ يَبِينَهَا مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ عَدَدُ الطّلَاقِ وَيَكُونُ الْأَمْرُ إلَيْهِمَا إذَا أَرَادَا أَنْ يَجْعَلَا الْفُرْقَةَ بَيْنَ الثّلَاثِ جَعَلَاهَا وَإِنْ أَرَادَا لَمْ يَجْعَلَاهَا مِنْ الثّلَاثِ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا إذَا قَالَتْ فَادْنِي بِلَا طَلَاقٍ أَنْ يَبِينَهَا بِلَا طَلَاقٍ وَيَكُونُ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ رَجْعِيّا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فَإِنّ مَضْمُونَهُ أَنّهُ يُخَيّرُ إنْ شَاءَ أَنْ يُحَرّمَهَا بَعْدَ الْمَرّةِ الثّالِثَةِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُحَرّمْهَا وَيَمْتَنِعُ أَنْ يُخَيّرَ الرّجُلُ بَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ الشّيْءُ حَلَالًا وَأَنْ يَجْعَلَهُ حَرَامًا وَلَكِنْ إنّمَا يُخَيّرُ بَيْنَ مُبَاحَيْنِ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُبَاشِرَ أَسْبَابَ الْحِلّ وَأَسْبَابَ التّحْرِيمِ وَلَيْسَ لَهُ إنْشَاءُ نَفْسِ التّحْلِيلِ وَالتّحْرِيمِ وَاللّهُ سُبْحَانَهُ إنّمَا شَرّعَ لَهُ الطّلَاقَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يُشَرّعْ لَهُ إيقَاعَهُ مَرّةً وَاحِدَةً لِئَلّا يَنْدَمَ وَتَزُولَ نَزْغَةُ الشّيْطَانِ الّتِي حَمَلَتْهُ عَلَى الطّلَاقِ فَتَتْبَعُ نَفْسُهُ الْمَرْأَةَ فَلَا يَجِدُ إلَيْهَا سَبِيلًا فَلَوْ مَلّكَهُ الشّارِعُ أَنّ يُطَلّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً ابْتِدَاءً لَكَانَ هَذَا الْمَحْذُورُ بِعَيْنِهِ مَوْجُودًا وَالشّرِيعَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ تَأْبَى ذَلِكَ فَإِنّهُ يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا إنْ شَاءَتْ رَاجَعَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ فَلَا وَاللّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطّلَاقَ بِيَدِ الزّوْجِ لَا بِيَدِ الْمَرْأَةِ رَحْمَةً مِنْهُ وَإِحْسَانًا وَمُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ الزّوْجَيْنِ. نَعَمْ لَهُ أَنْ يُمَلّكَهَا أَمْرَهَا بِاخْتِيَارِهِ فَيُخَيّرُهَا بَيْنَ الْقِيَامِ مَعَهُ وَفِرَاقِهَا. وَإِمّا أَنْ يَخْرُجَ الْأَمْرُ عَنْ يَدِ الزّوْجِ بِالْكُلّيّةِ إلَيْهَا فَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقّهُ مِنْ الرّجْعَةِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِك فَإِنّ الشّارِعَ إنّمَا يُمَلّكُ الْعَبْدَ مَا يَنْفَعُهُ مَلّكَهُ وَلَا يَتَضَرّرُ بِهِ وَلِهَذَا لَمْ يُمَلّكْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا مَلّكَهُ جَمْعَ الثّلَاثِ وَلَا مَلّكَهُ الطّلَاقَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَالطّهْرِ الْمَوَاقِعِ فِيهِ وَلَا مَلّكَهُ نِكَاحَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا مَلّكَ الْمَرْأَةَ الطّلَاقَ وَقَدْ نَهَى سُبْحَانَهُ الرّجَالَ أَنْ يُؤْتُوا السّفَهَاءَ أَمْوَالَهُمْ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَهُمْ قِيَامًا فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ أَمْرَ الْأَبْضَاعِ إلَيْهِنّ فِي الطّلَاقِ وَالرّجْعَةِ فَكَمَا لَا يَكُونُ الطّلَاقُ بِيَدِهَا لَا تَكُونُ الرّجْعَةُ بِيَدِهَا فَإِنْ شَاءَتْ رَاجَعَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ فَلَا فَتَبْقَى الرّجْعَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى اخْتِيَارِهَا وَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ الطّلَاقَ الْبَائِنَ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ ابْتِدَاءً أَوْلَى وَأَحْرَى لِأَنّ النّدَمَ فِي الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْبَائِنِ. فَمَنْ قَالَ إنّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَانَةَ وَلَوْ أَتَى بِهَا لَمْ تَبِنْ كَمَا هُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إنّهُ لَا يَمْلِكُ الثّلَاثَ الْمُحَرّمَةَ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى وَأَنّ لَهُ رَجْعَتَهَا. وَإِنْ أَوْقَعَهَا كَانَ لَهُ رَجْعَتُهَا. وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَإِذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ الرّجْعَةِ فَكَيْفَ يَمْلِكُ إثْبَاتَ التّحْرِيمِ الّذِي لَا تَعُودُ بَعْدَهُ إلّا بِزَوْجِ وَإِصَابَةٍ؟ فَإِنْ قِيلَ فَلَازِمٌ هَذَا أَنّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمِ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ مَلّكَهُ الطّلَاقَ عَلَى وَجْهٍ مُعَيّنٍ وَهُوَ أَنْ يُطَلّقَ وَاحِدَةً وَيَكُونُ أَحَقّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدّتُهَا ثُمّ إنْ شَاءَ طَلّقَ الثّانِيَةَ كَذَلِكَ وَيَبْقَى لَهُ وَاحِدَةٌ وَأَخْبَرَ أَنّهُ إنْ أَوْقَعَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَا تَعُودُ إلَيْهِ إلّا أَنْ تَتَزَوّجَ غَيْرَهُ وَيُصِيبَهَا وَيُفَارِقَهَا فَهَذَا هُوَ الّذِي مَلّكَهُ إيّاهُ لَمْ يُمَلّكْهُ أَنْ يُحَرّمَهَا ابْتِدَاءً تَحْرِيمًا تَامّا مِنْ غَيْرِ تَقَدّمٍ تَطْلِيقَتَيْنِ. وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فصل عِدّةُ الْمُخْتَلِعَةِ:

قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ أَنّهَا تَعْتَدّ بِحَيْضَة وَأَنّ هَذَا مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَابْنِ عَبّاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اخْتَارَهَا شَيْخُنَا. وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ بِذَلِكَ بِإِسْنَادِهَا. قَالَ النّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ: بَابٌ فِي عِدّةِ الْمُخْتَلِعَةِ. أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيّ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيّ حَدّثَنَا شَاذَان عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عَبْدَانَ حَدّثَنَا أَبِي حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ رُبَيّعَ بِنْتَ مُعَوّذٍ بْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ أَنّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ فَجَاءَ أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى ثَابِتٍ فَقَالَ خُذْ الّذِي لَهَا عَلَيْك وَخَلّ سَبِيلَهَا فَقَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تَتَرَبّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا أَخْبَرْنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدّثَنِي عَمّي قَالَ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي عُبَادَة بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَة بْنِ الصّامِتِ رُبَيّعَ بِنْتِ مُعَوّذٍ قَالَ قُلْتُ لَهَا: حَدّثِينِي حَدِيثَك قَالَتْ اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي ثُمّ جِئْتُ عُثْمَانَ فَسَأَلْتُ مَاذَا عَلَيّ مِنْ الْعِدّةِ قَالَ لَا عِدّةَ عَلَيْكِ إلّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِك فَتَمْكُثِينَ حَتّى تَحِيضِي حَيْضَةً. قَالَتْ وَإِنّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَرْيَمَ الْمُغَالِيَةِ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِدّتَهَا حَيْضَةً رَوَاهُ أَبُو داود عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ الْبَزّاز عَنْ عَلِيّ بْنِ بَحْرٍ الْقَطّانِ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَرَوَاهُ التّرْمِذِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ بِهَذَا السّنَدِ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَهَذَا كَمَا أَنّهُ مُوجِبُ السّنَةِ وَقَضَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمُوَافِقٌ لِأَقْوَالِ الصّحَابَةِ فَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ فَإِنّهُ اسْتِبْرَاءٌ لِمُجَرّدِ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرّحِمِ فَكَفَتْ فِيهِ حَيْضَةٌ كَالْمَسْبِيّةِ وَالْأَمَةِ الْمُسْتَبْرَأَةِ وَالْحُرّةِ وَالْمُهَاجِرَةِ وَالزّانِيَةِ إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْكِحَ. وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ الشّارِعَ مِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ جَعَلَ عِدّةَ الرّجْعِيّةِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِمَصْلَحَةِ الْمُطَلّقِ وَالْمَرْأَةِ لِيَطُولَ زَمَانُ الرّجْعَةِ وَقَدْ تَقَدّمَ النّقْصُ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ.

.ذِكْرُ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاعْتِدَادِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا فِي مَنْزِلِهَا الّذِي تُوُفّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِيهِ وَأَنّهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِحُكْمِهِ بِخُرُوجِ الْمَبْتُوتَةِ وَاعْتِدَادِهَا حَيْثُ شَاءَتْ:

ثَبَتَ فِي السّنَنِ: عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقُدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فَإِنّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ فَخَرَجْتُ حَتّى إذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ؟ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصّةَ الّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِيّ قَالَتْ فَقَالَ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إلَيّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْته فَقَضَى بِهِ وَاتّبَعَهُ قَالَ التّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ: هَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمّدِ بْنُ حَزْمٍ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ فَإِنّ زَيْنَبَ هَذِهِ مَجْهُولَةٌ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَهَا غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ وَمَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ وَغَيْرُهُ يَقُولُ فِيهِ سَعْدُ بْنُ إسْحَاقَ وَسُفْيَانُ يَقُولُ سَعِيدٌ. وَمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمّدٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فِي الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَأَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطّئِهِ وَاحْتَجّ بِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ مَذْهَبَهُ. وَأَمّا قَوْلُهُ إنّ زَيْنَبَ بِنْتَ كَعْبٍ مَجْهُولَةٌ فَنَعَمْ مَجْهُولَةٌ عِنْدَهُ فَكَانَ مَاذَا؟ وَزَيْنَبُ هَذِهِ مِنْ التّابِعِيّاتِ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَى عَنْهَا سَعْدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنُ كَعْبٍ وَلَيْسَ بِسَعِيدِ وَقَدْ ذَكَرَهَ ابْنُ حِبّانَ فِي كِتَابِ الثّقَاتِ. وَاَلّذِي غَرّ أَبَا مُحَمّدٍ قَوْلُ عَلِيّ بْنِ الْمَدِينِيّ: لَمْ يَرْوِ عَنْهَا غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إسْحَاقَ وَقَدْ رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ اشْتَكَى النّاسُ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَطِيبًا فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَا أَيّهَا النّاسُ لَا تَشْكُوا عَلِيّا فَوَاَللّهِ إنّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللّهِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَهَذِهِ امْرَأَةٌ تَابِعِيّةٌ كَانَتْ تَحْتَ صَحَابِيّ وَرَوَى عَنْهَا الثّقَاتُ وَلَمْ يُطْعَنْ فِيهَا بِحَرْفِ وَاحْتَجّ الْأَئِمّةُ بِحَدِيثِهَا وَصَحّحُوهُ. وَأَمّا قَوْلُهُ إنّ سَعْدَ بْنَ إسْحَاقَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ فَقَدْ قَالَ إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ النّسَائِيّ أَيْضًا وَالدّارَ قُطْنِيّ أَيْضًا: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبّانَ فِي كِتَابِ الثّقَاتِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ النّاسُ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ الثّوْرِيّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمَالِكٌ بْنُ أَنَسٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ وَالزّهْرِيّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَحَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَدَاوُد بْنُ قَيْسٍ وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَئِمّةِ وَلَمْ يُعْلَمْ فِيهِ قَدْحٌ وَلَا جَرْحٌ الْبَتّةَ وَمِثْلُ هَذَا يُحْتَجّ بِهِ اتّفَاقًا.

.اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:

.مَنْ أَفْتَى بِخُرُوجِ الْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَمَنْ قَالَ تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ:

وَقَدْ اخْتَلَفَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. أَنّهَا كَانَتْ تُفْتِي الْمُتَوَفّى عَنْهَا بِالْخُرُوجِ فِي عِدّتِهَا وَخَرَجَتْ بِأُخْتِهَا أُمّ كُلْثُومٍ حِينَ قُتِلَ عَنْهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ إلَى مَكّةَ فِي عُمْرَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرّزّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ إنّمَا قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَعْتَدّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَقُلْ تَعْتَدّ فِي بَيْتِهَا فَتَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهَذَا الْحَدِيثُ سَمِعَهُ عَطَاءٌ مِنْ ابْنِ عَبّاسٍ فَإِنّ عَلِيّ بْنَ الْمَدِينِيّ: قَالَ حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {وَالّذِينَ يُتَوَفّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وَلَمْ يَقُلْ يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنّ تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَت قَالَ سُفْيَانُ قَالَهُ لَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ كَمَا أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ: حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ تَعْتَدّ الْمُتَوَفّى عَنْهَا حَيْثُ شَاءَتْ وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ الثّوْرِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشّعْبِيّ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يُرَحّلُ الْمُتَوَفّى عَنْهُنّ فِي عِدّتِهِنّ وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ قَالَا جَمِيعًا: الْمَبْتُوتَةُ وَالْمُتَوَفّي عَنْهَا تَحُجّانِ وَتَعْتَمِرَانِ وَتَنْتَقِلَانِ وَتَبِيتَانِ. وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَا يَضُرّ الْمُتَوَفّى عَنْهَا أَيْنَ اعْتَدّتْ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الشّعْثَاءِ قَالَا جَمِيعًا: الْمُتَوَفّى عَنْهَا تَخْرُجُ فِي عِدّتِهَا حَيْثُ شَاءَتْ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلّمِ قَالَ سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ الْمُطَلّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفّى عَنْهَا أَتَحُجّانِ فِي عِدّتِهِمَا؟ قَالَ نَعَمْ. وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حُنَيْنِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنّ امْرَأَةَ مُزَاحِمٍ لَمّا تُوُفّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا بخناصرة سَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَأَمْكُثُ حَتّى. تَنْقَضِيَ عِدّتِي؟ فَقَالَ لَهَا: بَلْ الْحَقِي بِقَرَارِك وَدَارِ أَبِيك فَاعْتَدّي فِيهَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تُوُفّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيّةِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ وَلَهُ بِهَا دَارٌ وَلَهُ بِالْفُسْطَاطِ دَارٌ فَقَالَ إنْ أَحَبّتْ أَنْ تَعْتَدّ حَيْثُ تُوُفّيَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدّ وَإِنْ أَحَبّتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى دَارِ زَوْجِهَا وَقَرَارِهِ بِالْفُسْطَاطِ فَتَعْتَدّ فِيهَا فَلْتَرْجِعْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجّ قَالَ سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ يَخْرُجُ بِهَا زَوْجُهَا إلَى بَلَدٍ فَيُتَوَفّى؟ قَالَ تَعْتَدّ حَيْثُ تُوَفّي عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظّاهِرِ كُلّهِمْ. وَلِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ حُجّتَانِ احْتَجّ بِهِمَا ابْنُ عَبّاسٍ وَقَدْ حَكَيْنَا إحْدَاهُمَا وَهِيَ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَمَرَهَا بِاعْتِدَادِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِمَكَانِ مُعَيّنٍ.
وَالثّانِيَةُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمّدٍ الْمَرْوَزِيّ حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ حَدّثَنَا شِبْلٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَتْ اعْتَدّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا} قَالَ عَطَاءٌ ثُمّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السّكْنَى تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ.